أروع ما قيل في الفخر
-----------------------
الفخر من أول فنون الأدب تأثيرًا على فطرة الإِنسان، ويكون بتعداد الصفات الكريمة لمن يفخر وتحسين السيئات منها.. ونراه يرتبط غالبًا بالشجاعة، والكرم، والوفاء، والحلم، وعراقة الأصل، وحماية الجار والنزيل، ومنع الحريم.. والفخر من نتاج العاطفة الجياشة الصادقة، والانفعال القوي. ومن هنا لا يلتزم الفخر بالحقائق التاريخية، بل يعمد إِلى المبالغة والتهويل، وإِطلاق الخيال الخصيب.. وتنطلق فيه الألفاظ والعبارات موافقة له، مطابقة لمقتضى حاله، مشتدة بشدته.
في الجاهلية:
كان هناك الفخر الذاتي، وفيه يفخر الشاعر بنفسه، قاصرًا فخره عليها، غير ملتفت لسواه. وكان هذا النوع من الفخر كثيرًا جدًا، وقد نبت تلقائيًا من نفوس تهوى العزة، وتعشق المجد.. وكانت أسواق العرب مثل سوق ((عكاظ)) تبسط أمامهم ميادين القول والمفاخرة.. كذلك كانت لهم مجالسهم يجتمعون فيها لمناشدة الأشعار، ومبادلة الأخبار.. والشاعر لسانهم والذائد عنهم، والشعر ديوانهم، وكان البيت يرفع القبيلة، ويشيد بذكرها، ويعلي من شأنها، كذلك كان الشعر، وكان الشاعر، وكانت الأسواق والمجالس.
وإِلى جانب الفخر الذاتي وُجد الفخر الاجتماعي.. وفيه يتغنى الشاعر بأمجاد قومه، ويشيد بمنعتهم وعزتهم، ويسجل مفاخرهم مباهيًا بها.
يقول: ((عنترة)):
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني، وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
هنا شعر قوي، وتصوير دقيق، وعاطفة صادقة.
وإِليك نموذجًا آخر ((للفند الزماني)) يقول فيه:
فلما صرح الشر
فأمسى وهو عريان
مشينا مشية الليث
غدا، والليث غضبان
يضرب فيه نوهين
وتخضيع وإِقران
وطعن كفم الزق
غدا، والزق ملآن
فهذا شيخ جاهلي، جال في الحرب جولات وجولات، وكان السيف بساعده نصيرًا، ونراه حتى في كبره يلبي دعوة الحرب، فكان في شعره حكمة الشيوخ، وفي سيفه صرامة البطولة، بطولة يد مع بطولة لسان.
وفي شعر المعلقات كثير من هذا اللون، يصور المعارك ويحمس الأبطال، ويثبتهم في ميادين القتال.
-----------------------
إرسال تعليق
شكرا جزيلا